حذر الخبير الاستراتيجي اللواء سامح سيف الليزل رئيس مركز "الجمهورية"
للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية من خطورة انفصال جنوب السودان الذي
بات مؤكدا . مشيرا إلي ان هذا الانفصال سيفاقم من أزمة مياه النيل بسبب
وجود دولة جديدة ستطالب بحصتها من المياه التي كانت توزع بين مصر
والسودان . ولفت الانتباه إلي خطورة التواجد المتنامي لإسرائيل في منطقة
حوض النيل. وتأخر مصر في مواجهة هذا التواجد الذي يعزي إليه تمرد هذه
الدول علي الاتفاقيات الحالية لتقسيم مياه النيل . جاء ذلك في محاضرته بعنوان
( حوار حول قضية المياه ) التي ألقاها في ساقية عبد المنعم الصاوي مساء الاثنين
بمقرها في القاهرة بالتعاون مع الجمعية المصرية للحفاظ علي التراث والبيئة برئاسة
الدكتورة إيمان جمال الدين . واعترف بوجود تقصير في مجال التواجد المصري
المؤثر والفاعل في منطقة دول حوض النيل وهو ما استغلته إسرائيل في ترسيخ
علاقاتها مع تلك الدول. وإقناعها بالتمرد علي الاتفاقيات المعمول بها في توزيع مياه
النيل بين دول المنبع والمصب . وشدد علي أن انشغال مصر بتحسين أحوالها المعيشية
ومشاكلها الداخلية ليس مبررا للبعد وعدم التواجد في منطقة حوض النيل التي تمثل
عمقا يمس الامن القومي المصري لارتباطه بقضية المياه التي هي شريان الحياة .
مؤكدا علي ضرورة تصحيح هذا الوضع في أسرع وقت وتنمية علاقاتنا التجارية
والثقافية وغيرها علي المستوي الرسمي والشعبي بدول حوض النيل .
ترشيد الاستهلاك
وأضاف اللواء الليزل بأن طبيعة التضاريس والانحدار الكبير للجبال التي تسقط
عليها الأمطار في إثيوبيا تعيقها عن بناء السدود وحجز كميات كبيرة من المياه
خلفها لان من شأن ذلك التسبب في هدم هذه السدود. وأشار إلي أن دول المنبع
تلعب لعبة غير مقبولة حين تطالب ببيع مياه النيل لدول المصب بحجة أنها من
ثروتها القومية مثل البترول والغاز. مؤكدا أن هذا الزعم باطل لان المياه هبة من
الله ولايبذل فيها اي مجهود للحصول عليها وليست سلعة مثل البترول ولايمكن
تجاهل أهمية تصريف المياه الذي يتم عن طريق البحر المتوسط لان عدم التصريف
في البحر يمكن أن يضر دول نهر النيل . ودعا إلي ضرورة ترشيد استهلاك المياه
سواء في الزراعة أو الاستهلاك البشري في المنازل وعدم زراعة المحاصيل التي
تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل البارز والقمح . لافتا إلي أن هذا الترشيد يحتاج
لحملات توعية إعلامية واسعة لحث المواطنين علي الاستخدام الصحيح للمياه . وأشار
إلي أن احد مجالات التعاون مع إثيوبيا هو استيراد احتياجاتنا من اللحوم منها وتأجير
الأراضي وزراعتها لصالحنا مشيرا إلي أن دول حوض النيل تملك ثروة حيوانية كبيرة
يمكن أن نساعدهم وندعمهم من خلال استيرادها منهم . وشدد علي أن إسرائيل لازالت
هي العدو الأول لمصر رغم اتفاقية السلام كما أن نفوذ إسرائيل يتنامي داخل إفريقيا
لدرجة أن وفود دول حوض النيل التي اجتمعت في شرم الشيخ المصرية قامت بزيارة
إسرائيل عقب نهاية الاجتماع مباشرة. وتم توقيع اتفاقيات بين بروندي وأوغندا وإسرائيل
للاستفادة من تكنولوجيا الري كما ان ليبرمان وزير خارجية إسرائيل زار منطقة حوض
النيل خاصة إثيوبيا .
دخلنا مرحلة الفقر المائي
وفي كلمته أوضح أحمد فوزي دياب خبير المياه إننا دخلنا مرحلة الفقر المائي لافتا
إلي أن الاتفاقيات المعمول بها حاليا لتقسيم مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب
والتي تمردت عليها دول الحوض هي قانونية مائة في المائة . ولكن هناك ما يسمي
بـ فرضية الأمر الواقع وهو ما تحاول دول الحوض ممارسته ضد مصر مدعومة
من إسرائيل وبعض الدول الغربية . وأشار إلي أن الأوضاع المعيشية لدول حوض
النيل صعبة وهم في حاجة إلي معونات غذائية واقتصادية وتكنولوجية وهذا يمكن
أن تساهم به مصر لتقوية نفوذها في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة لمصر . مؤكدا
إننا في أزمة خطيرة وتساءل لماذا يتم طرح خيار الحرب مع دول الحوض مع أن
تكلفة إنشاء محطات لتحليه مياه البحر أوفر من تكلفة خيار الحرب ؟؟ وتساءل الدكتور
عبد المحسن مهدي الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس عن السبب في تأخر مصر
في دخول مجال الطاقة النووية. مشيرا إلي إننا بدأنا أبحاثنا النووية في نفس العام الذي
بدأت فيه إسرائيل أبحاثها فلماذا امتلكت إسرائيل السلاح النووي وعجزنا نحن عن دخول
عصر الطاقة السلمية النووية؟؟ مؤكدا أن الطاقة النووية يمكن أن تسهم في حل
مشكلة الفقر المائي التي نعاني منها الآن بتحليه مياه البحر ولدينا شوطيء تمتد آلاف
الكيلومترات .
جنوب السودان بؤرة تهديد
وفي كلمته انتقد الصحفي علي عبد الوهاب التوجه الذي يستهدف تطمين الحضور
بعدم وجود خطورة كبيرة لأزمة مياه النيل مؤكدا أن الازمة خطيرة بالفعل. لافتا
إلي ان إثيوبيا انتهت من بناء ثلاثة سدود ضخمة منها سد" تانا بيليز" وسد
"تيكيزي"، وتسعي لبناء المزيد من هذه السدود تحت ستار خادع وهو توليد الكهرباء
لان الجميع يعلم ان السد معناه أنه مكان لتخزين المياه وليس لتوليد الكهرباء فقط .
وهذه السدود التي بنيت بالفعل تكشف خطأ ما يردده البعض من ان التضاريس
و الانحدار الكبيرللجبال التي تسقط عليها الامطار يمنعان إقامة السدود . لافتا إلي
أن الخطر الآخر الذي يؤثر علي حصة مصر من المياه هو قيام دول حوض النيل
وعلي راسها إثيوبيا بتأجير ملايين الهكتارات للاستزراع للشركات الدولية الصينية
والعربية وغيرها بما يعني ان إثيوبيا ستستهلك مياه النيل قبل ان تصل إلي مصر
والسودان . واشار إلي أن قيام دولة جنوب السودان الموالية لاسرائيل وامريكا والتي
اعلن قادتها ترحيبهم بالمساعدات الاسرائيلية والامريكية ونيتهم فتح سفارة لتل ابيب
سيوجد بؤرة جديدة يمكن من خلالها لاسرائيل ممارسة الضغوط علي مصر.
وذلك بدفع حكومة جنوب السودان لمنع المياه عن مصر او تقليل حصتها إما ببناء السدود
او استزراع مساحات هائلة من الاراضي وذلك للضغط علي مصر لاعطاء اسرائيل
حصة من مياه النيل عبر ترعة السلام في سيناء وهو ما اعلنت عنه اسرائيل اكثر من
مرة علي لسان كبار مسئوليها .