Admin Admin
عدد المساهمات : 154 تاريخ الميلاد : 23/10/1970 تاريخ التسجيل : 22/06/2010 العمر : 54 الموقع : ميزة سوفت
| موضوع: البشير يواجِه المؤامرةَ منفردًا! الأحد يوليو 25, 2010 3:46 pm | |
|
بَعدَ إصدار المحكمة الجنائية الدولية أمرًا ثانيًا بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير بعد
إضافة "الإبادة" إلى تُهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية الواردة في مذكرة الاعتقال السابقة
الصادرة بحقه، وبعد تأكيد المحكمة أن أمر القبض الثاني هذا لا ينقضُ ولا يحل محل الأمر الأول
بالقبض على البشير، والذي يظلُّ ساريًا، تتضحُ الصورة بشكل أكبر أمام الكبير والصغير والقاصي والداني والمتعلِّم وغير المتعلِّم والعربي وغير العربي والمسلم وغير المسلم أن الأمر برمَّتِه لعبةٌ
سياسية دولية وليست قضيةَ عدالة وقانون وجرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية. بعد أقلّ من ستة
أشهر سيتمُّ الاستفتاءُ في جنوب السودان على حقّ تقرير المصير فإما أن يختار الجنوبيون أن
يبقَوْا في إطار الدولة السودانية الموحَّدَة، وإما أن يختاروا الانفصال والعَيْش في إطار دولة
جنوبية مستقلَّة وهو الأمر الذي تسير كلُّ المعطيات قي اتجاه تحقيقه وجعله حقيقةً واقعة.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يدعَمُ خيار الانفصال في السِّر والعَلَن، ومجمل السلوك
السياسي والدبلوماسي الغربي يسير في هذا الاتجاه ويحبِّذُ لأهل الجنوب هذا الخيار ويشجِّعُهم
عليه، بل ويدفعهم إليه دفعًا. ومن هنا جاءت الخطوة غبر البريئة من المحكمة الدولية لتستبقَ
الاستفتاء على حق تقرير المصير ولتشكل ضغطًا إضافيًّا على السودان وعلى الرئيس البشير
شخصيًّا من أجل العَمَل على تسهيل وتيسير عملية الاستفتاء وعدم وضع أي عراقيل في طريقها
كي يمضيَ مخطَّط تقسيم السودان كما هو معدّ له سابقًا في الدوائر الغربية. إضافة تُهمة الإبادة
لقائمة الاتهامات الموَجَّهَة للرئيس السوداني قبل شهور من الاستفتاء تؤكِّد أن المحكمة الجنائية
الدولية محكمةٌ سياسية لأنها تعلن دائمًا قراراتِها حين يواجه السودان رهانات دقيقة مثل السلام
في دارفور أو تطبيق اتفاق السلام الشامل مع الجنوب. لقد أثبتت المحكمةُ الجنائية الدولية للعالم
أجمع أنها لعبة سياسية وأداة في يد الغرب والولايات المتحدة وأن هذه المحكمة ليست لها أية
استقلالية أو حياد وبالتالي فإن قراراتِها مشبوهَةٌ ومشكوك في حيادها، إن الولايات المتحدة
الأمريكية أيَّدت طلب مدعي عام المحكمة الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير ومحاكمته
بتهمة غير حقيقية وغير مؤكَّدة، رغم أنه لم يجرِ أي تحقيق نزيه وشفَّاف ومحترم حسب قواعد
العدالة المعروفة في هذه التُّهَم، ورغم أن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر
الإسلامي طعنتْ بالاتهام ورفضت دولُها اعتقال الرئيس السوداني، إلا أن واشنطن قادتْ حملةَ
المطالبة باعتقاله ومحاكمته وقادت المحكمة الدولية في هذا الاتجاه وجعلتها لعبةً في يديها. وقد
رأى العالمُ كله الجرائم الصهيونية خلال العدوان الأخير على غزة وكذلك جريمة قتل النُّشَطاء
المدنيين على متن أسطول الحرية، ولكن لأن الهوى والغرض الأمريكي في هذه الحالة مختلفٌ
فقد تَمَّ التكتُّم على هذه الجرائم، ولو كان لدى قادة المحكمة الجنائية الدولية ضميرٌ لتحرَّكوا من
تلقاء أنفسهم ولأعلنوا رفضهم للأوامر الأمريكية ولتعليمات واشنطن ولوجَّهُوا عشرات التُّهَم ضد
قادة الكيان الصهيوني بل إنه رغم أن لجنة التحقيق الدولية التي ترأَّسَها القاضي اليهودي
جولدستون أكَّدت ارتكاب هذه الجرائم، فإن الولايات المتحدة تصدَّتْ لكل محاولة استهدفت اعتقال
رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أو وزير دفاعه أو أي مسئول عسكري إسرائيلي، بل
إنها عارضتْ حتى طرح التقرير الدولي أمام الأمم المتحدة، ووقف قادة المحكمة الجنائية الدولية
يتفرجون مثلنا تمامًا! لو كانت نيَّة المنظمة الدولية -وما يتبعها من أجهزة ومؤسَّسات سليمة،
لما جاء قرارها الأخير ضد الرئيس البشير في هذا التوقيت الذي يقوم فيه غازي صلاح الدين
المستشار الرئاسي المسئول عن ملف دارفور) بجهود قيادة عمل سياسي كبير لإحلال السلام
في دارفور، ومعه أعضاء البرلمان المنتخبون الذين يمثلون شعب السودان ودارفور، وفي ظلّ
توجه حكومي قوي لإحلال السلام في دارفور بشكلٍ كامِلٍ مع نهاية هذا العام، وفي ظلّ الإعلان
الرسمي عن استراتيجية سودانية جديدة وطَمُوحة تهدف إلى حلّ الأزمة في دارفور بشكل
جَذري وكامِل.لقد توقَّع الغرب أن ينهزم الرئيس البشير في الانتخابات الرئاسية الماضية، ولكن
خيب الله ظنَّهم ونجح البشير، مما شكَّل ضغطًا على أعصاب القوم فلجئُوا إلى حِيَلهم غير
النظيفة الني يجيدونها، ومن هنا فقد عبَّر قرار المحكمة الدولية الأخير عن أن هذه المحكمة ومن
يُصدر إليها التعليمات، الجميع يتحرك من منطلق توابع فوز البشير في الانتخابات وتشكيله هو
ونظامه تحديًا للمخططات الغربية في السودان.وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنتْ
فوْرَ صدور قرار المحكمة أن على الرئيس السوداني المثولَ أمام المحكمة الجنائية الدولية والردّ
على الاتهامات التي سِيقت ضدَّه وأنه كلما كان مثوله أمام المحكمة أقرب كلما كان أحسن، هذا
الإعلان يعبِّر عن حقيقة الموقف الأمريكي الذي يتمنى الخلاصَ من البشير بأي طريقة، وطبعًا
لو مثل البشير أمام المحكمة من تلقاء نفسه فلن يخرجَ أبدًا، وساعَتَها ستصبحُ الأمور ملائمةً
لتنفيذ الأجندات المشبوهَة.وعليه، فإن قرار المحكمة يصبُّ في خانة إرسال الرسائل السالبة التي
من شأنها تعقيدُ مشكلة دارفور واستمرار معاناة أهل الإقليم، ولا يصبُّ أبدًا في صالح السودان
ولا في صالح أبناء دارفور، والقرار المشبوه سوف يزيد الوضع في السودان إرباكًا.الذين
يريدون الخير للسودان يسْعَوْن للحفاظ على الوضع في البلاد هادئًا والتمهيد للاستفتاء المرتَقَب
حول مصير الجنوب، أما الذين لا يريدون الخير للسودان فإنهم يسعَوْن بكل الطرق من أجل
تأزيم الأوضاع في الداخل السوداني، وعلى رأسِها عرقلة مفاوضات الدوحة شديدة الأهمية
بشأن دارفوروالتي قطعتْ خطواتٍ مهمةً على طريق وضع الفُرَقَاء على مائدة التفاوض ووضع
إطارٍ عام يحكم المفاوضات والاتفاق على بعض التفاصيل ونقاط الحلّ، وهكذا فقد جاء قرار
المحكمة الدولية في اتجاه مُخالِف لكل التحركات الخيرة والبنَّاءَة والإيجابية التي تقوم بها
الدولة السودانية ودولة قطر والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.ومن ناحيةٍ أخرى فقد جاء
الدعم الغربي لقادة وزعماء الجنوب في سعيهم الدَّءُوب للانفصال ليعطيَهم المَدَد والمعونَة، وهو
ما جعل باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو في نفس الوقت وزير
السلام في حكومة الجنوب يشن هجومًا عنيفًا ضد حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة الرئيس
عمر البشير، ويصفه بأنه "حزب اعتاد نقضَ المواثيق والعهود"، متهمًا إياه بـ "دعم ميليشيات
مسلَّحة، والدفع بها لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة أبيي وكل ولايات جنوب السودان"،
ولم يتوقف الأمرُ عند ذلك، بل إن أموم هدَّد في حوارٍ مع صحيفة "الشرق الأوسط" بالعودة
إلى الحرب مجددًا في حالة تأجيل الاستفتاء، بل ويكرِّر الاتِّهامات السابقة والجاهزة بأن البشير
هو الذي نسف الوحدة، بإصراره على صبغ الدولة بالصبغة الإسلامية، هذا الكلام يعكس الدعم
الذي يتلقَّاه القوم من الغرب، والذي يجعل قادةَ الجنوب يتحدثون ويكررون الاتهامات بشكل فجّ.
إن الأمور في السودان، خاصةً بعد صدور قرار المحكمة الجنائية، أصبحت شديدة التعقيد، وهو
ما جعل الرئيس البشير يدعو القيادات التنفيذية والتشريعية إلى مضاعفة جهودها لضمان تعزيز
وحدة السودان، معتبرًا الشهور المقْبِلة حتى إجراء استفتاء الجنوب من أخطر المراحل التي يمرُّ
بها السودان، رغم أن كل التقارير الاستراتيجية تؤكِّد أن غالبية الجنوبيين سيختارون خيار
الانفصال.لكن يبقى الأملُ في الشهور القليلة القادمة أن يقودَ عقلاءُ الشمال والجنوب حركة
قوميَّة لبحث تشكيل اتحاد كونفيدرالي إذا اختار الجنوبيون إعلان الاستقلال.وقد بدأ فعلًا زعماء
من الشمال والجنوب مفاوضاتٍ رسميةً حول كيفية اقتسام إيرادات النفط وخيارات أخرى بعد
الاستفتاء اقترحتْها لجنة تابعة للاتحاد الإفريقي برئاسة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثابو
مبيكي، وتتمثَّل في إمكان إقامة دولتين مستقلتين تتفاوضان بشأن إطار عمل للتعاون يشمل
إقامة مؤسسات حكومية مشتركة في ترتيب كونفيدرالي، وهناك خيارٌ ثانٍ يقضي بإقامة دولتين
منفصلتين مع حدود (مشتركة) مَرِنة تسمح بحرية تحرك الأشخاص والبضائع، والخيار الثالث
يتعلق بالفصل الكامل الذي يتعيَّن فيه على المواطنين الحصول على تأشيرات لعبور الحدود،
والخيار الرابع هو استمرار الوحدة بين الشمال والجنوب إذا اختار الجنوبيون ذلك في الاستفتاء،
وهو احتمالٌ بعيد.المسئولية الآن مضاعَفَة على عاتق نظام الرئيس البشير ذي التوجهات
الإسلامية، بل على عاتق كل السَّاسة والمثقفين السياسيين في الشمال أولًا ثم في الجنوب
ثانيًا، للعمل فوق الطاقة لوقف الانفصال، وأهون الشَّرَّيْن السعي نحو نظام كونفيدرالي يحفظُ
السودان من مؤامرةِ التفكيك والتمزُّق، وهنا فإن العتاب موجَّه إلى الساسة السودانيين وأحزاب
وقوى المعارضة التي انطلقتْ من منظور سياسي ضيِّق في الانتخابات الأخيرة وخاصمت
البشير وقاطعت الانتخابات، وكان أولى بها في هذا الظرف التاريخي تنحية هذه الخلافات
الثانوية حتى يمرَّ الاستفتاءُ على خيرٍ ثم بعد ذلك يختلفون كيفما شاءُوا مع البشير ونظامِه،
بدلًا من أن يدفعوه في زاوية ليواجِهَ وحده هو وحزبه هذه المؤامرة.قرارا المحكمة الجنائية
الدولية الأول والثاني ليسا موجَّهَيْن ضد شخص الرئيس البشير، بسبب ما قد يوجّه إليه من
اتهامات من خصومه السياسيين بالانفراد بالحكم وعدم تعاطيه بإيجابية مع محاولات الحوار
الوطني والتأسيس للشراكة في الحكم والتنازل لأجل استمرار الوحدة، وإنما جاء القراران
تتويجًا لمخططات غربيَّة قديمة لتقطيع أوصال السودان وتمزيق دولتِه.وحتى لو افترضْنا
جدلًا أن الرئيس البشير قد أعلن تنازلَه عن الحكم أو قام بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية
الدولية، فإن الأمور لن تتغيَّر كثيرًا بعدما وصل المخطَّط لمراحله النهائية.السياسيون
والدبلوماسيُّون أصحاب الضمير يعرفون أن البشير لا يتحمَّلُ وحْدَه أزمة دارفور، فهناك
أطرافٌ إقليمية ودولية تدعمُ مختلف الفصائل الموجودة على ساحة الإقليم وتمدُّها بالسلاح
وتفرض عليها أجنداتها التي تنطلق أساسًا من إشاعة الفوضى لكي تكون الأجواءُ مناسبةً
لفرْض التدخُّل الخارجي وفرض التقسيم والتمزيق بدعوى تمكين الأعراق والثقافات المختلفة
من الوجود والتعبير عن نفسِها.
بقلم :- ليلى بيومي | |
|